نصيحة : تعلم آداب النصيحة !



كنت في أحد الأيام في المسجد لأداء صلاة الظهر , وبعد أن انتهت الصلاة إذا بأحد المعمّرين يقول : ثوبك طويل مرة وهو يضحك , وبعدها قال لي : ما أسفل من الكعبين من الإزار في … يريدني أن أكمل , فقلت ففي النار .
الناس كلهم يطالعون , قلت له : صدقت جزاك الله خير كلامك صحيح , مع أني كنت أريد الرد عليه , لكن تمالكت نفسي , و في الحقيقة ما قاله صحيح فأنا مسبل الثوب ولا أقصد به الخيلاء معاذ الله ولكن الثوب جاهز ومقاسه كذا , ولم تسنح لي الفرصة أن أذهب إلى أحد الخياطين ليكمنه .

ما حدث هنا أن الأخ في الله لم يلتزم بآداب النصيحة فارتكب عدة أخطاء , منها أنه فاجأني بنصيحته , ونصحني بأسلوب خاطئ , وفوق ذلك نصحني أمام الجماعة . والشاعر يقول :
تَعَمَّدني بِنُصْحِكَ في انْفِرَادِي :: وجنِّبني النصيحة َ في الجماعهْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ :: من التوبيخِ لا أرضى استماعه
وَإنْ خَالَفْتنِي وَعَصَيْتَ قَوْلِي :: فَلاَ تَجْزَعْ إذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَة
في الحقيقة هذا المعمّر هداه الله كثير الانتقاد , فقد انتقد الكثير من الأشخاص غيري لكنهم يجرحونه ويحرجونه , وهذا بسبب أسلوبه , وأنا أخاف أن يصادف يومًا من الأيام شخصًا يجيد فنون القتال ولا يتعامل إلا باللكمات .
ما هي آداب النصيحة من شخص لآخر ؟
بديهيًا , عكس ما قلناه قبل قليل , أن لا تكون النصيحة تجريحية , وأن لا يكون هم الناصح أن يظهرك على خطأ , وأن لا تكون في جماعة من الناس , وأن تقال النصيحة في وقت مناسب , ولا ننسى مراعاة شعور الشخص الذي أمامنا , فمن الأفضل أن نستخدم بعضًا من مهارات التعامل مع الآخرين حسب شخصية الذي أمامنا كي تكون النصيحة أكثر وقعًا في نفسه.مثلا قبل أن تبدأ بنصحه أن تذكر ممادحه .
ملاحظة : النصيحة لها حالات أخرى تستوجب الإخلال بأحد الآداب السابقة مثل أن تكون النصيحة موجهة إلى جماعة معينة .
أمثلة للنصح المؤدّب :
الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان ينصح أصحابه كان يقول ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا , ولم يكن يذكر اسم الشخص ففي صحيح البخاري : صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعْلَمهم بالله وأشَدهم له خشية .
فلم يقل هنا ما بال فلان وفلان ولكن اكتفى بكشف الخطأ الذي وقعوا فيه من دون ذكر أسمائهم , وهناك العديد من الأمثلة من السنة النبوية , فالرسول كان ماهرًا في التعامل مع الكل والنصح لهم , صلى الله عليه وسلم .
عبد الله بن المبارك عالم بالقرآن والسنة رحمه الله تعالى , كان يمشي مع شخص في الطريق فعطس الرجل , ولم يحمد الله , فنظر إليه بن المبارك لعله يقول الحمد لله لكنه لم ينتبه , فسأله ابن المبارك : ماذا يقول العاطس إذا عطس , فقال الرجل : الحمد لله , قال ابن المبارك : يرحمك الله .
هنا ابن المبارك لم يقل له : لقد تركت سنة من السنن التي أمرنا رسولنا أن نقولها , وقد أخطأت في أنك لم تقل الحمد لله بعد العطسة , ولكنه أوضح له الأمر من دون تجريح أو عنف , بل بمودة ومحبة .
ومن القصص : قصة الحسن والحسين رضي الله عنهما عندما وجدا شخصًا مسنًّا لا يحسن وضوءه , فأرادا تعليمه لكنهما احتارا في طريقة تعليمه كونه أكبر منهما سنا , فأرادا تعليمه من دون تجريح وبطريقة جميلة جدًا , فنظر الحسن إلى الحسين ثم تقدم إلى الرجل فقال له : يا عم! أنا وأخي قد اختلفنا أي واحد وضوءه أحسن، أنا أقول: وضوئي أحسن، وهو يقول: وضوءه أحسن، أنا أقول وضوئي موافق لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول وضوءه أقرب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من وضوئي فالآن جئنا إليك تحكم بيننا , فلما رأى وضوءهما قال : والله أنتما على صواب وأنا على خطأ .
أنتظر تجاربكم .
تستطيع أن تترك ردًّا, من خلال النموذج الذي في الأسفل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق